القمة العربية والثقافة
أخبارالأردن- نبراس نيوز- بقلم جريس سماوي: تنعقد القمة العربية في الأردن في ظروف بالغة الحساسية، وفي ظل ترد إقليمي على مستويات عدة أهمها ضعف التنسيق بين دول الجامعة العربية، وانهيار النظام العربي، ناهيك عن الصراعات التي أنهكت دول الإقليم وأدت الى ما أدت إليه من عنف وتهديم في البنى المعمارية والمدنية والنفسية.
وإذ تنعقد القمة في الأردن بالذات فهذا مؤشر جيد على نجاحات أعتقد أن بالإمكان تحققها. فالأردن وقف في هذا الصراع الذي يعصف بالمنطقة موقفا منسجما مع تاريخه السياسي والجغرافي، يتلخص في هذا المنهج الوسطي الذي عُرف به، ووقوفه على بعد
مسافة واحدة من كل الأشقاء العرب تقريبا إضافة الى المصداقية في المواقف والرؤى تلك التي شكلتها الدبلوماسية الأردنية البارعة التي يقودها الملك عبدالله
الثاني ومحاولاته المستمرة والدائمة لرأب الصدع العربي، ودفاعه الدؤوب في الأروقة الدولية والمنابر العالمية عن العرب والإسلام وما لحق بهما من إساءات جراء الأعمال الإجرامية لحفنة استغلت الدين لأغراض العدوان والسلب والقتل والتشريد.
نعلم أن على أجندة القمة هذه المرة قضايا حارة ومفصلية وذات حساسية تتعلق بالراهن العربي.
ونعلم أن اهتمامات المؤتمرين من الزعماء العرب سوف تتركز على الملفات السياسية والعسكرية وتحالفات المنطقة والشراكة الاقتصادية وملف القدس وحل الدولتين والموقف من الإرهاب. وهذا بطبيعة الحال أعلى الأولويات وأشدها حضورا في أي أروقة أو منابر او حوارات. لكن هذا كله سيبقى ناقصا دون الولوج الى جوهر المشكل المتسبب في هذا التصدع والانهيار الذي عصف بالعرب وجعل بلدانهم في مهب الحروب والويلات بل زعزع أركان النظام العربي بأكمله. وهذا الشأن الذي أتحدث عنه أنما هو إعادة تأثيث الروح العربية بالثقافة الإنسانية المنفتحة
على الحياة والتي تنحاز لقيم الجمال الإنساني والاجتماع السكاني والحياة والعيش المشترك.
لقد دأبنا نحن العرب على تنحية الثقافة والفنون جانبا واعتبار ذلك أمرا ثانويا. وبحجة أولوية رغيف الخبز قبل الكتاب والفن والموسيقى، وبسبب عدم إيمان دولنا إيمانا عميقا بأهمية الثقافة في صياغة الوجدان والروح المعنوية، وقف السياسي ضد الثقافي معتقدا أنه عدو وخارجي، وتم وضع المثقف في خانة المشكوك بأمرهم، وبحجة أن ‘ لا صوت يعلو على صوت المعركة ‘ ومقاومة المؤامرات التي تتعرض لها الأمة خسرنا معارك كثيرة، وخسرنا أوطانا، وخسرنا الحرية، وعز على ابناء بلداننا الرغيف، وانزاح المزاج العام الى التقوقع والمحافظة والانغلاق على الاخر. واتجهت الأجيال الجديدة الشابة الى الظلامية والإرهاب، وخسرنا كثيرا من اولئك الشباب في معارك دينكيشوتيه بسبب تشوه الوعي، وضياع البوصلة. ذلك الوعي الذي تحكّمت به الجماعات التي تنظّر للعنف والإرهاب وترعاهما وترى في كل
من لا يتماثل معها تماثلا تاما عدوا يستحق القتل. وهنا غاب الوعي الحقيقي الذي من المفترض أن تمثله وتقوده الدولة والنخب السياسية والاجتماعية والثقافية تلك النخب الذي ساهمت السياسات الإقصائية للأنظمة العربية الرسمية في ضربها وبالتالي غيابها عن الساحة.
فيا زعماء الأمة. ها أنتم تجتمعون في زمن صعب وقاتم. ولن تنهض الأمة من جديد دون إعادة الروح والوهج الإنساني اليها. فهي تحتاج الى أن ترى الجمال في الشوارع والمدارس والساحات. وتحتاج الى أن يسير الكتاب جنبا الى جنب مع رغيف الخبز. وأن ينهل ابناؤنا في المدارس العلم والفن معا، في فضاء من الحرية، حرية الروح وحرية البحث العلمي، والتفكير العقلي، والنقاش دون سوط مسلّط عليهم باسم المقدس والممنوع. ذلك حتى ترتقي ذواتهم، وتتوهج أرواحهم بالمعرفة والفن، وتزدان أحاديثهم بملاحة اللسان، ونقاء القلب والسريرة، والاعتراف بالآخر الذي يقاسمنا هذا الكوكب،
ومعرفة أفكاره، والتعلم منه، وتعريفه بنا. فيشرق المستقبل بهؤلاء الشباب عوضا عن ضياعهم في دهاليز الظلامية والانغلاق.
سوف تجتمعون أيها الزعماء الأفاضل من أصحاب الجلالة والفخامة والسيادة في بلد أبي الحسين عبد الله الثاني حفيد المشروع العروبي النهضوي الذي قاده الشريف الحسين بن علي وأبناؤه رحمة الله عليهم، فلعل في المكان واسم المضيف وتاريخه عبرة تدعوكم وتدعونا للنهوض من جديد.
ها أنتم تلتقون في البحر الميت، في أخفض نقطة عن سطح الأرض في العالم. وهذا فأل جيد وليس سيئا كما أرى. ذلك أن المعادن ذات الكثافة العالية والثقيلة هي التي تمكث في الأرض وتثبت، أما الزبد فيذهب جفاء، ولعل هذا يؤدي الى ثبات المواقف وثقل القرارات التي ستنبثق عن مؤتمركم الكريم، وخصوصا تلك المتعلقة بالقدس القريبة على مرمى رشقة ماء مالح في وجه الصلف الصهيوني، وعلى مرمى دعوات عجوز هدها التعب العربي من
معمودية نبي المسيحية والإسلام الذي أحيا الميت وأشفى العليل. لعل في هذا المؤتمر الذي يعلق ابناء العرب عليه بعض الآمال إحياء للآمال والطموحات العربية أن الله قدير أن يحيي العظام وهي رميم.