رد ناري من عكروش على قضماني حول اراضي مصنع اسمنت الفحيص
أخبار الاردن – نبراس نيوز- كتب د. أديب عكروش : يقول السيد قضماني: «المارد الذي يسكن قمقم أراضي اسمنت الفحيص, والذي أُيقظ مجددا على وقع تداعيات أراضي الجبيهة, وكلاهما ضحية للتخطيط قصير النظر والتوسع العشوائي…» ويقول: «إن المصنع بُني في خمسينيات القرن الماضي في قطعة نائية, لكن زحف المساكن سرعان ما أحاله الى جزيرة في وسط مدينة لا زالت تتوسع. فكان هذا الوضع المُشَوَه صورة سيئة للعشوائية في التخطيط الذي ما كان ينظر الى ما هو أبعد من ( الأرنبة)… «.
ويقول السيد قضماني ايضا: «أهالي الفحيص استفادوا على مدى عقود طويلة من المصنع. وصحيحٌ أن من حقهم أن يَنعموا بالسكينة وأن يفوزوا ببعض الأراضي مثل جوائز انتظروها طويلاً, لكن من حق المصنع أن يحمي استثماراته وحقوق مساهميه, والحلول أيا كانت يجب أن تأخذ بالاعتبار هذه المعادلة, كما أن الرأي العلمي والجدوى الاقتصادية لا يجب تغييبهما». انتهى الاقتباس, وهنا مربط الفرس!!
الرد: حقيقة رقم (1): هي أن مصنع الإسمنت قد تم انشاؤه على أراضي الفحيص بعد أن استملكت أراضيها المزروعة ولم يكن المصنع في حينه يبعد أكثر من 500 متر افقيا عن الوسط السكاني في البلدة القديمة. وأن تأثير ملوثات الإسمنت وصلت يوميا الى دائرة نصف قطرها 15 كلم من موقع المصنع خلال سنوات الإنتاج منذ بدء التشغيل عام 1952/1953 ولغاية تاريخه .
حقيقة رقم(2): الصور الأرشيفية التي تعود لعام 1951 ووثائق الإعتراضات على الإستملاك في حينه تؤكد حقيقة وجود مساكن عدة على حدود الأراضي المستملكة سبقت إنشاء المصنع, كانت سببا في منع توسع الإستملاك غربا حتى مثلث دوار الحصان الحالي كما كان مقررا, وهو ما يدحض إدعاء الزحف العمراني نحو مصنع الإسمنت.
حقيقة رقم(3): أن أراضي أهل الفحيص في أحواض(عبية وأم العرايس والدير) قد استملكت بموجب قانون الإستملاك في حينه وأنه لم يتم التخلي عنها طواعية, وأن الأراضي التي بيعت أو أستملكت عنوة وبالإكراه البيئي الفعلي في مراحل لاحقة تمت بسبب عدم قدرة الأهالي على التعايش اليومي مع ملوثات وتفجيرات الإسمنت وضجيج طواحينه واضراره الصحية غير المحدودة.
حقيقة رقم(4): أن طبيعة وطبوغرافية أراضي (قرية الفحيص) حسب تسميات دائرة الأراضي والمساحة في حينه (المجاورة لقرية الحُمر), وحدود مُلكية أهلها لأراضيهم التي تؤكدها الخرائط المساحية وتعود الى بدايات الترسيم المساحي, تجعل من الطبيعي والخيار الوحيد لأهلها, البناء والتوسع على أراضيهم باتجاه الشرق, أي الى محيط أراضيهم المستملكة. إلا اذا افترض الكاتب المحترم أنه كان من واجب أهل الفحيص الهجرة من قريتهم آنذاك والتنازل عن باقي أراضيهم لإتاحة المجال لشركة الإسمنت بأن تتوسع في تعدينها وتجريفها لكامل أراضيهم الزراعية سبب رزقهم وحياتهم لمئات السنين.
وهنا نسأل الأستاذ قضماني عن ما جاء في مقاله المُشار اليه حول الفحيص:
1. ماذا استفاد أهل الفحيص طيلة السنوات الماضية ولمدة تزيد عن ستين عاما غير الغبار المتطاير على بيوتنا ومزارعنا وأشجارنا وتلويث حياتنا بيئيا وصحيا بكل أنواع الأكاسيد والغازات والغبار والضجيج والروائح والتفجيرات والتعدين العشوائي والقضاء على التنوع الحيوي فيها, وحرمان مدينة من أجمل مدن المملكة الأردنية الهاشمية من فرصة التطور الطبيعي المنظم .
2. وهل تقصى الكاتب المحترم عن واقع تلويث المصنع لينابيع المياه في الفحيص وماحص التي كانت تروي البساتين والمزارع والمواشي؟ وهل تساءل الكاتب أين اختفت الحياة الزراعية المتكاملة التي كانت في الفحيص, وأين سَقي ماحص الذي كان مَضرب مثل ببساتينه وثماره وأشجاره؟. ألا يعلم الكاتب أن أراضي المنطقة التي كانت مثلا أردنيا بالإنتاج الزراعي والحيواني «قد تصَحرت» عمليا, وأن ينابيعها قد تلوثت منذ سنين, وجفت غالبية أشجارها وانقرضت نباتاتها الى حد كبير؟؟
3. وهل يُعقل أن الكاتب المحترم لم يكلف نفسه بتقصي الحقائق والرجوع الى تقارير وزارة الصحة التي تعود الى مطلع الثمانينات من القرن الماضي التي أكدت خطورة الوضع البيئي والصحي على مُجمل السكان في الفحيص وماحص ومحيطهما, وبضرورة نقل صناعة الإسمنت من المناطق السكنية كحل جذري لهذه الحالة الخطيرة؟؟ وهل كان ذنب الأهالي الفلاحين آنذاك حين لم تأخذ الحكومة الوضع الصحي بعين الإعتبار عندما كان المصنع يجني الملايين على حساب حياة وصحة وبيئة وقلة راحة أهالي الفحيص وماحص,؟؟
4. هل استوضح الكاتب عندما ادعى أن» أهالي الفحيص استفادوا على مدى عقود طويلة من المصنع…» أن نسبة العمالة في المصنع من أهل الفحيص لم تزد يوما عن 10% من اجمالي العاملين به, وأن الشركة كانت تنقل معظم عمال المصنع بالباصات من أماكن بعيدة. وأن الشركة لم تقدم فحيصيا واحدا الى أي موقع إداري منذ انشاء المصنع عام 1951.
5. هل يعلم الكاتب الذي نَصًب نفسه قاضٍ وتنطح لإصدار أحكامه, بأن أراضي مصنع الإسمنت تم استملاكها ( أو بيعها قسرا) عام 1951 لأغراض النفع العام بواقع 3-6 دنانير لكل دونم من الأراضي الخصبة المزروعة, وأنه لم يدر في خلدنا يوما نحن أبناء الفلاحين, أن تقوم الحكومة الأردنية ببيع أجود أراضي أجدادنا وما عليها الى شركة لافارج الفرنسية بسعر بخس, متناسية أن هذه الأراضي هي أراض لمواطنين أردنيين أصيلين بالفحيص وماحص كانت قد استملكت لغايات النفع العام.
6. وهل كلف الكاتب خاطره بمراجعة صفقة بيع شركة الإسمنت التي تمت بين الحكومة وشركة لافارج وما شابها من مخالفات وتجاوزات قانونية تم توضيحها في تقرير لجنة تقييم التخاصية الصادر في أذار 2014, التي شكلها جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين المعظم حفظه الله, برئاسة الدكتور الأمين الصادق عمر الرزاز, وأيضا ما أورده كتاب ومحللون اقتصاديون ومسؤولون ونواب, بأنها صفقة تفيح منها رائحة الفساد من كل اتجاه؟؟ وأن عملية البيع لم تتم حسب الأصول ومخالِفة للقانون من جوانب عديدة ؟, وأنها بلغت 120 مليون دينار فقط (أي بتراب المصاري)؟ وأنها تمت بموجب تفاهمات وليس اتفاقيات مكتوبة ؟, والتساؤل الكبير كيف جاءت شركة لافارج واشترت شركة الإسمنت حسب تقرير لجنة التخاصية؟, وكيف أن اتفاقية البيع لم يتم عرضها على مجلس النواب وفقا لأحكام القانون ؟, وكيف أن كامل الأراضي قد بيعت مع المصنع, بعد أن تم تقدير قيمتها ب( 0.00 JD ) صفر مُزلزل, وغدت قيمتها الأن – بقُدرة قادر- (بعد التعدين الجائر لمدة 15 عاما ) أكثر من 2 مليار دينار حسب إدعاءات وأحلام لافارج. وهنا يبدو جليا لأي قارىء ( أول ابتدائي) أن التنازل عن الأرض لصالح لافارج قد تمت (على البيعة) دون دراسة أو تقدير وبلا نقاش – يعني ببلاش Bonus -. وكأن لافارج ومن سًهل مُهمتها قد جاءت بالأساس طمعا بالأراضي وكمُطَور عقاري لا كمُنتج للإسمنت حسب سلوكها الحالي!!! وهذا بحد ذاته ليس مخالفا للقوانين الأردنية فقط, بل أيضا للقوانين الفرنسية الإنسانية التي لا تُجيز لها الدخول في اتفاقيات مُجحفة وتجارات أشبه ما تكون بتجارة الممنوعات (أخلاقيا) كونها تضر بالمجتمعات المحلية التي تسعى الى الإتجار/ الإستثمار في محيطها.
7.وعلى افتراض أن الكاتب قضماني (الذي لا بد أنه متابع شرس كما تبين لنا من مقاله وأنه قام بمطالعة التقارير والتصريحات ومناقشات النواب والحكومة حول خصخصة الإسمنت وغيرها) و قام بمراجعة كافة وثائق عملية البيع وخصخصة مصنع الإسمنت والفوسفات والبوتاس, وكيف أن الأرض في حال الفوسفات والبوتاس لم يتم بيعها مع المنشات الصناعية وحقوق التعدين شأن مصنع اسمنت الفحيص!!. ومن المؤكد أنه استذكر وهو يخط مقاله كيف أن النائب الشقران قد بكى في مجلس النواب بحرارة الأردني الغيور على موارد بلده, عندما طوت الحكومة والنواب آنذاك ملف الفوسفات قبل سنوات.
8.وهل اطلع الكاتب الكريم على نداء جلالة المغفور له الملك الحسين بن طلال, عندما صرخ عاليا مقولته المشهورة منددا بملوثات الإسمنت وتخاذل نواب البلقاء آنذاك بمتابعة ألم ناخبيهم عندما قال رحمه الله: « هناك بشر حول مصنع الإسمنت, هؤلاء هم أهلي وناسي…. أبنائي وأحفادي من الأميرة جمانة وحتى الأمير عبدالله يعانون من التلوث». فهل يريد الكاتب أكبر من تلك الشهادة الأمينة الشجاعة بحق معاناة أهالي الفحيص وماحص كي يكون الصحفي منصفا بحق الفحيص؟؟ وهل اطلع الكاتب أيضا على مستوى اهتمام ومتابعة جلالة الملك عبد الله الثاني ابن الحسين حفظه الله الذي أمر عام 2003 بتشكيل لجنة علمية ووزارية من 21 جامعة ومؤسسة علمية ووزارة وتحت إشراف مستشار البيئة في الديوان الملكي العامر, وهل قرا توصيات تلك اللجان ودورها بمنع إمعان لافارج باستخدام أشكال من الوقود الرخيص حتى لا تزيد مستويات التلوث في هواء الفحيص وماحص؟؟
أملاك مصنع الإسمنت يا أستاذ قضماني- اذا كنت لا تعلم- هي أراض فحيصية (قُضِمَت غيلة بعملية الخصخصة), والذين فاوضوا ومرروا عملية البيع بشكلها المعروف, لا يعرفون مدى تمسك أهل الفحيص بأرضهم وترابهم وأردنيتهم وعروبتهم, ولا يعرفون مدى فخرهم بأن تراب أرض أجدادهم قد بنت كل بيت أردني من أقصى شماله الى أقصى جنوبه وعَمًرَتْ البلاد، ولا يعرفون مدى إيمانهم وانتمائهم للوطن المفدى وللعرش الهاشمي جار الفحيص وجار الأرض وحاميها منذ تاسيس مملكتنا الأردنية وريثة الثورة العربية الكبرى. ولا يعرفون مدى استماتة الأردني العربي ابن الفحيص لأرضه, وترابه وإلى أي مدى سيذهب في سبيل ذلك؟ وأنه لن يضيرهم مقال صحفي لا يستند الى مُطالعات مهنية أمينة لا تهدف إلى بيان الحقائق وإغناء الرأي العام بالمعلومة الصحيحة والانتصار للعدالة.
وأخيرا, وللعلم يا أستاذ قضماني, فإن أهالي الفحيص, لم يستفيدوا يوما من وجود شركة الإسمنت على أرضهم بعكس ما تدعي, ولم ينتظروا «أن يفوزوا ببعض الأراضي مثل جوائز انتظروها طويلا..» كما تندرت مستهترا في مقالك، لأنها أرضهم بالأساس ولأنهم ناضلوا ضد قرار استملاكها منذ عام 1951, وكافحوا ضد توسع شركة الإسمنت وملوثاتها عليها, وثبتوا جذورهم فيها وأصروا أن لا يهجروها. وقد أنصفهم القضاء الأردني العادل وبكفاح وحنكة أبنائهم المحامين, من خلال الاف القضايا التي أقرًت بحجم الضرر البيئي الذي طال أهالي الفحيص.
وهذا دحضٌ لأي ادعاء بقبولهم وتعايشهم مع ملوثات الإسمنت وآثار وجوده الاجتماعية – الاقتصادية المُدمرة بيئيا وصحيا لكبيرهم وصغيرهم. وهم اليوم مصممون أكثر من أي يوم مضى على النضال بكل السبل التي يكفلها القانون لاسترجاع حقوقهم وتأكيد ولاية بلديتهم على أراضيها بموجب القانون, ومنع أي استخدام لأرضهم من قبل أي مستثمر جشع لا يعبأ بحق أهل الفحيص بتطوير مدينتهم وبنائها نحو الحداثة ووفق مخطط شمولي عصري, وبحقهم الطبيعي القانوني والإنساني بتقرير مستقبلها وأجيالها وبالمحافظة على ديمومتها وتاريخها وعطائها وأصالتها التي لم تتأثر يوما بالتحديات مهما بلغت…
في صباح يوم جميل من أيام الشونة الجنوبية في أربعينيات القرن الماضي, كتب جلالة المغفور له الملك المؤسس عبدالله الأول رحمه الله بخط يده الكريمة على كتاب استدعاء لمُستظلم فحيصي رَفض أحد المسؤولين آنذاك إنصاف حقه, حيث كتب جلالته رحمه الله:
« لا أقبل أن يُظلم أحدٌ من رعاياي, فكم بالأحرى جيراني….؟؟ « وأمر جلالته بحق الفحيصي وعاد الرجل من لحظتها الى بيته وعياله في الفحيص مُطمئناً … ولهذا فنحن سنبقى دوما ساهرين ومصابيحنا مُشتعلة …