مقالات

الاب رفعت بدر يكتب : هل من قضيّة «مسيحية مشرقية»؟

bd7d3b02a273cee786921bcf9812068856ff35ee.jpg

أخبار الاردن – نبراس نيوز- بقلم الاب رفعت بدر: نظم مكتب مؤسسة كونراد أديناور في الأردن، مؤتمرا دوليا في برلين شارك به عدد من المهتمين والباحثين، حول ماذا يمكن لدول الغرب – أوروبا وأمريكا تحديداً – أن تقوم به من أجل ضمانة استمرارية الحضور المسيحي وحمايته في الشرق الأوسط. وقد جاء هذا المؤتمر استكمالاً للمؤتمر الذي عقدته المؤسسة الألمانية النشطة بالتعاون مع المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في أكتوبر الماضي في منطقة كومو الايطالية وكان بعنوان: أي مستقبل لمسيحييّ المشرق؟ واليوم ماذا يُطلب من دول الغرب حيال هذا المكوّن الرئيسي من مكوّنات الشرق. ومن أهم توصيات «برلين» أن تحث الشعوب في الغرب حكوماتها من أجل الضغط لإطفاء الحرائق في المنطقة، وإلاّ فليس من الممكن عمل أي شيء لضمان استمرارية أيّ مكوّن.

وغداة المؤتمر ، نظمت إذاعة مونت كارلو في فرنسا ندوة هامة حول ذات الموضوع: واقع المسيحيين ومستقبلهم في المنطقة. وقد أدارته الإعلامية الرائدة نعمات المطري بحنكة ودراسة، وشاركت فيه مع ممثلين لعدّة دول: وأتوقف عند سؤال وجهته المطري: «الكل يتكلم اليوم عن مسيحيي الشرق، فهل هنالك ثمة «قضية»؟ وهل هي قضية معزولة عن قضايا الشرق أم في جميعها»؟
السؤال بلا شك مثير ومميّز. فالمسيحيون في الشرق والعرب تحديداً جزء من «نسيج» شعوبهم وحضارتهم وبلدانهم، ولم ولن يكونوا أبداً بمعزل عن قضايا هذه المنطقة وأزماتها المتتالية. إلاّ أنّ تطوّر الأحداث بشكل مريب، وصعود الحركات المتطرفة بشكل لم يسبق له مثيل، ومنها حركات تمتهن القتل وتقتات على التنكيل: ممّا نتج عنه أمرٌ لا بدّ من تسميته وتعريته ألا وهو «الاضطهاد» الصريح والمباشر تجاه–لا نقول الاقليات- وإنّما المكوّنات الرئيسة والأصلية والفاعلة اثنياً ودينياً. ولا نستطيع أن نخفي مخاوفنا على هذه المكونات بصفتها جزءاً من «هذا الشرق» غير المريح وغير المرتاح. ولأنّ «التوحش» قد أراد أن يفرغ مناطق بأكملها من المسيحيين كما حدث في الموصل وسائر وقرى ومدن نينوى، ولم تعد الأجراس فيها تقرع لا في الفصح ولا في الميلاد ولا في أيام الأحاد. ومن المؤسف أن نقول هذا الكلام فيما بدأت طائرات العالم تقلُّ عدداً من المهجرين المقيمين في الأردن، الذي احتضنهم من فترة سنتين، وقدّم لهم كل ما بوسعه أن يعيد بناء الثقة بالنفس والكرامة، ويحافظ على ايمانهم، إلاّ أنّهم في هذه الأيام يتركون الشرق، من بوابة الأردن، ويستقلون طائرات ستحط بهم في بلدان العالم البعيدة.
ثمة «قضية» إذاً، لكنها ليست قضية مسيحية بحتة بل قضية الهوية، هوية الشرق في أن يكون تعددياً وثرياً في الاختلاف الذي نتج عنه الابداع والتميّز والقداسة. وبدون ذلك لن يكون الشرق شرقا ، ولن تكون الخسارة على مكوّن واحد، بل على التاريخ والارث الحضاري والثقافة المشتركة.
بقي القول: إنّ مؤتمر «برلين» قد انتهى في ذات اليوم الذي أعلن فيه الديوان الملكي العامر عن مكرمة جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين المعظم ، لترميم كنيسة القيامة في القدس. وقد كانت الوفود كلها تكرّر: نيّالكم بهالملك ! وكنا نقول لهم، ونيّال الأمتين العربية والإسلامية بهذا القائد العربي المسلم الذي يعرف كيف يقرن القول الجميل بالعمل النبيل. وبعدها بأيام ذهب البابا فرنسيس الى جزيرة ليسبوس اليونانية ، وقابل المشرّدين، واصطحب في طريق عودته ثلاث عائلات مسلمة ، ليتم ايواؤها في إيطاليا وعلى نفقة الفاتيكان. وبين الملك المتبرّع للكنيسة ، والبابا المصطحب مسلمين بطائرته، ثمّة أمل بأنّ هنالك شجعان يعرفون كيفية التصدّي لرياح التطرّف والانغلاق ، ويعملون معا لحماية، ليس مكوّن واحد فحسب، بل والانسانية جمعاء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى