مقالات

لماذا يرفض أهالي الفحيص قرار بلديتهم ومشروع لافارج المشبوه ؟

esmentfohisssss2016124578.jpgأخبار الاردن – نبراس نيوز- كتب د. سليمان صويص : منذ أسبوع تصاعدت ردود الفعل الرافضة لقرار بلدية الفحيص المتخذ بداية الشهر الجاري، والقاضي بالموافقة على إقامة مشاريع شركة لافارج على أراضي مصنع الإسمنت التي رحل عنها المصنع منتصف حزيران الجاري، والبالغة مساحتها الفي (2000) دونم. فقد أصدرت مؤسسات المجتمع المحلي من عشائرية ومدنية بيانات، عقب اجتماعات حاشدة عقدتها، عبّرت فيها مجدّداً عن رفضها لقرار البلدية الذي يُفرّط بحقوق ومصالح الفحيص ويُدمّر مستقبل المدينة لعقود قادمة ؛ إضافة إلى حملات جمع التواقيع على عرائض الرفض للقرار التي تسير على قدم وساق وبحماس شديد.

 

لماذا ترفض الأغلبية الساحقة من أهالي الفحيص ذلك القرار ؟

أولاً : أثبت مواطنو الفحيص على الدوام أنهم ليسو عدميين ؛ فهم لا يرفضون من أجل مجرد الرفض، بل لأنهم يملكون بوصلة وحاسة شم قويّة تقودانهم إلى حيث المصالح الحقيقية لمدينتهم. ساعدهم ويساعدهم على ذلك الحوار الديمقراطي العميق والمسؤول بينهم والذي ينطلق دائمأ من حرص الجميع على مدينتهم التي يعشقونها حتى الموت، مثلما يعشقون تراب الأردن، وأثبتوا على الدوام إخلاصهم وتمسّكهم بالوطن وتراث الآباء والأجداد.

ثانياً : على النقيض مما ادّعاه رئيس البلدية في الاجتماع مع المعتصمين يوم السبت 11/6/2016 من أن القرار حظي بموافقة ممثلي عشائر الفحيص ومؤسسات المجتمع المحلي، فقد تبيّن بأن هؤلاء تعرضوا إلى نوع من "الخديعة" حيث عرض رئيس البلدية عليهم خرائط ومخططات بألوان متعددة، مرفقة بحديث عام عن أن هذا أفضل ما يمكن للفحيص الحصول عليه من لافارج، وبانه سيكون هناك فلل ومستشفى وجامعة وملاعب إلخ…ودون أي نقاش معمّق وجاد وتفصيلي، بإستثناء الرد بصيغ عامة على بعض الإستفسارات التي طرحها عدد من الحضور. إن مسألة بهذا الحجم وهذه الخطورة لا يتم البت فيها قبل أن توضع جميع الحقائق والتفاصيل أمام الرأي العام للنقاش العام والمفتوح، وبخاصة أمام الخبراء والمختصين من أهل الفحيص والوطن… وليس بطريقة "اللفلفة" المريبة والتي تبيّن الآن تماماً بأن الهدف منها كان إنتزاع "موافقة"، حتى ولوكانت شكلية، على أمر يقرر مشتقبل المدينة، وليس على مجرد مشروع صغير يمكن تدارك آثاره السلبية في حال ظهرت فيه عيوب في المستقبل. المقصود هنا (حتى لا يفهم البعض بأننا نريد الإساءة إلى العمدة) أن الشفافية في طريقة إتخاذ قرار البلدية كانت معدومة، أو في أفضل الأحوال ضعيفة. كان يمكن للتشاور الواسع أن يوفّر على الفحيص هذه المعركة.  غياب أو ضعف الشفافية والتشاور سبب من أسباب رفض القرار.

ثالثاً : إن المنهجية التي اتخذ فيها القرار تنطوي على عيوب تكاد تقول للمريب "خذوني". فالأصل أن يعرض الأمر على الخبراء، وخاصة المستشار القانوني للبلدية.. وهو ما لم يتم، كما تؤكد المحامية رانيا صويص، نائبة رئيس البلدية والمستشارة القانونية للبلدية، بل تم استبعاد دور هذه المستشارة لسبب مجهول. والأصل أن تطلب البلدية، قبل اتخاذ القرار، دراسات جدوى اقتصادية ودراسات عن الآثار البيئية للمشاريع المقترحة. والأصل أن يتريث المجلس البلدي وان يأخذ وقته ولا يتسرّع في اتخاذ القرار كما حدث .. وكأن خطراً داهماً كان يحيق بالفحيص إذا لم يتخذ القرار بهذا الإستعجال الذي يطرح تساؤلات أكثر مما يجيب على أسئلة ! .. هذا إضافة إلى أن شيئاً من تلك الدراسات لم يتم حتى اللحظة، خصوصاً وأن أراضي مصنع الإسمنت تحتاج إلى إعادة تأهيل تتراوح مدتها بين سنتين إلى ثلاث على أقلّ تقدير. .. فلماذا الإستعجال في اتخاذ قرار تنظيم الأراضي والذي يرفع قيمتها بجرة قلم ـ كما يقال ـ من ثمانية ملايين دينار إلى ألفي مليون دينار !… وكل ذلك لسواد عيون لافارج والمستثمر الخليجي الموعود، وعلى حساب حقوق ومصالح ومستقبل أهالي الفحيص وابنائهم وأحفادهم، وعلى حساب جمال الفحيص وتراثها وبيئتها.

رابعاً : المشاريع المقترحة تثير سخرية واستهجان أهالي الفحيص، وهي موضع تندّر وتنكيت في مجالسهم (.. وشرُّ البلية ما يضحك !). إنهم موعودون بمستشفى ! يا هملالي ! هل هم بحاجة إلى مستشفى والمدينة الطبية على بعد بضعة كيلومترات من مدينتهم ؟ وموعودون بجامعة (!!)، وكأن الأردن أو محافظة البلقاء بحاجة لمزيد من الجامعات بعد ما اصبح لدينا 25 جامعة رسمية وخاصة ! وهم موعودون ب ملاعب "غولف" (زغرودة) تخدم الفلل التي ستقام .. وهناك "منطقة استثمارية متعددة الإستعمال"، دون أي توضيح أو تفصيل : هل ستكون "مولات" (حيث أن هناك نقص شديد في المولات في عمان وجوارها !)، هل ستكون أسواق تجارية، مبان لبنوك وشركات ؟ ألله أعلم. ومرة اخرى لا يوجد أية دراسات لهذه المشاريع وعن مدى قدرة البنية التحتية للفحيص للإستجابة لتلك المشاريع … بإختصار "اشتري سمك وهو في البحر" ! … أهالي الفحيص لن يقعوا في الفخ.

خامساً : على افتراض أن هناك ضغوطاً ما من جهات ما على رئيس البلدية (وهو ما تم نفيه قبل عشرة أيام)، فقد أكّد اهالي الفحيص لرئيس البلدية بانه يمكنه أن يعتمد عليهم لمقاومة أية ضغوط تستهدف الإضرار بالفحيص ؛ وانهم سيقفون جميعهم خلفه وإلى جانبه لدعمه وتمكينه من مقاومة أية ضغوط شريطة أن يرفض ذلك المخطط المشبوه.. وفي آخر المطاف إن بيده سلاح الإستقالة الذي إذ وضّح فيها الضغوط والأهداف منها سيطالبونه هم حينها ـ أي أهالي الفحيص ـ بالعدول عنها والبقاء في منصبه للإستمرار في مقاومة المشروع…

سادساً (وليس أخيراً) : يرنو أهالي الفحيص أولاً إلى استعادة أراضي آبائهم واجدادهم التي كانت في يوم من الأيام كروم عنب تنتج أطيب أنواع الزبيب ومشتقات العنب الأخرى التي كان يٌصدّر جزءٌ منها إلى فلسطين ومنها إلى اوروبا. يتطلع أهالي الفحيص إلى أن يمارسوا السيادة ـ من خلال بلديتهم ـ على تلك الأراضي…. وعندما يأتي الحديث عن "البدائل" لمشروع لافارج فإن البدائل كثيرة وبعضها جاهز ـ ورئيس البلدية على علم بها ـ وبعضها مقترح منذ سنة، مثل إنشاء قرية للأمم المتحدة على الأراضي المستعادة من الإسمنت، تكون مركزاً لجميع وكالاتها في الشرق الأوسط (على غرار قرية في النمسا). وهناك مقترح لمشاريع الطاقة البديلة التي يمكن أن تزوّد الأردن كله بالطاقة النظيفة والرخيصة وتخفض فاتورتها على ميزانية الدولة وتساهم في تحسين الوضع الإقتصادي للبلاد.

أليست هذه أسباباً كافية لرفض القرار وتعبئة أوسع قطاع شعبي ضده وللمطالبة بالتراجع عنه ؟

نعم! قد يختلف أهالي الفحيص… مثلما يحدث في المواسم الإنتخابية (وهناك موسم جديد يطرق الأبواب).. نعم قد يُعصّب البعض ويتعصب البعض الآخر، لكنهم في نهاية المطاف ينسون هذه الخلافات وسرعان ما يعودون إلى الوئام وإئتلاف القلوب والمودة المتبادلة، لأن ما بينهم من روابط ووشائج أعمق بكثير من أي خلاف عابر حول مرشح أو شق طريق في هذا الحي أو ذلك.

أهالي الفحيص يحترمون رئيس بلديتهم ومستعدون للتضحية من أجله عندما يخدم الفحيص بإخلاص وأمانة. وعندما يحيد عن مصلحة مدينتهم، فإنهم يستمرون في احترامه، لكنهم يطالبونه بالرجوع عن القرار الخاطيء، ويُلحّون اليوم بمطالبته بالرجوع عن قرار الموافقة على مشاريع لافارج في الأراضي التي رحل عنها مصنع الإسمنت. فهذا لا يمت بصلة لمصلحة الفحيص وحقوق أهلها ومستقبل المدينة. لقد شحذت تطورات الأسبوعين الأخيرين من وعي القطاع الأوسع من أبناء وبنات الفحيص، بحيث باتت الأمور واضحة وجليّة لهم كما لم تكن يوماً في السابق ؛ وهم لذلك مستعدون للسير بكل شجاعة حتى نهاية الشوط وتحقيق إرادتهم.  يشكّل قرار بلدية الفحيص خطراً داهماً على المدينة ومستقبلها ومستقبل اجيالها. ولن يهدأ لمواطنيها بال ولن يستقر لهم قرار إلّا عندما يتم التراجع عنه والتخلي عن مشاريع لافارج وإعلان ذلك للرأي العام الأردني.

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى