نبيل عماري يكتب : بيوت الطين
أخبار الاردن – نبراس نيوز – بقلم نبيل عماري : كم تبدو جميلة بيوت الطين والإزقة الترابية كأنها من زمن سحيق من الذاكرة يغمر الطفولة .
تلك هي مدينة الزرقاء في بدايات تكوينها من القرن الماضي وحتى السبعينيات ولا زال بعضها قائم . برونقها ومدخلها المعشوب وتنكات الزريعة من قرنفل وثم سمكة وخبيزة أفرنجية داخل وخارج الحوش .
تدخل إلى تلك البيوت فينتشر الماضي ويعلق بقاياه بذاكرة جميلة هنا حوش وجرة ماء مغلفة بالخيش ( وكيلة ) إما بلاستيك او المنيوم مربوطة بالجرة لغايات الشرب بحدها المطبخ وجرزات الثوم المعلق وعناقيد البامية الناشفة هنا نملية مغلقة بداخلها صحنان للزيت والزعتر وصحون وكاسات شاي مضلعة صغيرة وكبيرة وغيرها من لوازم المطبخ .
هنا مجلى وحنفية نحاسية تنقط ماء بحاجة إلى جلدة وغاز صغير 3 عيون وبابور كاز الأخرس ولقن غسيل وملقط خشبي وبرميل لغايات الغلي ولافكس ونيلة وصابونة جمل او لوكس القديم .
تلتفت يميناً فترى رفوف المونة من تتطالي وجبنة بيضاء ولبنة مدحبرة وباذنجان مقدوس ومخلل لفت كأنها لوحة ربيعية صيغت في ذالك المطبخ الضيق .
بيوت الطين غالباً تتكون من غرفتين غرفة للنوم بتخت حديدي وخرانة كبيرة وماكنة سنجر صغيرة ومطوى للفراش من فرشات ولحف ومخدات محشوة بالصوف وشباك عالي لا يمكن أن تصله سوى بالصعود لكرسي مصنوع من الزان . وجودلة مفرو شة قد يكون عددها أثنتان او ثلاث ومعلق على ظهر الخزانة لوكس يعبىء بالكاز في حالة أنقطاع الكهرباء . وهنا نأتي إلى غرفة القعدة او الضيوف كنبايات عدد ستة بألوان متعددة وبأرجل حديدة وكذلك السكملات بخشب زان وفورمايكا ويتم تخصيص مزهرية بها بعض الوردات البلاستيكة او طلقة مدفعية فارغة تعتبر كمزهرية .
أما من رزقة الله براديو فيضعة على رف ويخصص له شرشف مرموق .
وصفات بيوت الطين أنها تعطي برودة في الصيف ودفء في الشتاء وذلك لوجود مواد طبيعية من البيئة في بناء تلك البيوت والتي تشمل على القصيب والطين والتبن وأخشاب إشجار الكينا في عملية البناء أما الأرضيات فكانت تصب بالخرسانة وبعدها يتم تنعيمها بماء الأسمنت الناعم لتصبح ملساء أما فيما يختص بحشرات الصيف فيتم أستعمال مادة الفلت بواسطة مضخة تعبى من الأمام ويتم تعبئتها بالهواء ليتم الرش وهنالك مادة الشبر اللاصق والذي يعلق بجانب لمبة الأوضة ليتم اصطياد البعوض والحشرات .
وأجمل ما بتلك البيوت أنها على قلة تكلفتها وبساطتها كانت بمثابة قصر وبيت عز بها معرشات دالية لعنب اسود او ابيض وتوتة تظلل على حوش تلك الدار .
بيوت الطين كانت بمثابة فصول جميلة حين يأتي الخريف يتم تطين سقوف البيوت بجبلات طينية مضاف لها التبن حتى تتماسك وعند الجبلة تخرج رائحة جميلة عبقة من تمازج الماء والتراب والتبن تعلن قدوم الشتاء الرائع ورائحة التراب من أول شتوة .
أما عند قدوم الربيع تخرج الزهور من سباتها الشتوي وتنظر إلى سطوح بيوت الطين فتراها قد تعوشبت تلك السطوح باللون الأخضر وكذلك أطراف تلك الزواريب تتعوشب كذلك وتغزر الأعشاب عند مصبات المزاريب لتعلن نهوض الحياة . أما مع قدوم فصل الصيف اللاهب تتحول الأعشاب إلى اللون الأصفر .
لتحلو السهرات والمواسم عند عتبات بيوت الطين حين تشطف مداخل البيوت تنادي القمر والجيران للسهر .
أما صباحات بيوت الطين فلها رونق خاص مع صياح ديك وزقزقة عصافير وصوت بائع الكعك المسمسم ينادي كعك وبيض وصياح أولاد الحارة كريزة يا حلاوة وبائع كيكس وذاك الذي يحمل صندوقة الصغير ( الثلاجة ) وهو يبيع أسكيمو بريمو .
ونساء يشربن القهوة الصباحية يقمعن البامية وينقبن الملوخية وفي ساعات الظهر وأنت تمر في زواريب بيوت الطين تشتم رائحة الطعام وهي تعبق من تلك المطابخ القريبة من الشوارع والزواريب هنا رائحة تقلية بامية ومحاشي ملوخية سمك وصوت كوثر النشاشيبي تقدم ما يطلبة المستمعون بصوتها الجميل والذي يصدح باسماء الراغبين في الأستماع لتلك الأغاني تمشي من الزواريب وتسمع من تلك الراديات بقى عايز تنساني ، وهان الود ، اول همسة ، كل دقة بقلبي ، فين طريقك فين ، وغيرها من الأغاني التي ترافقك وانت تمشي بين بيوت الطين .
تلك هي بيوت الطين بيوت الشمس وصوت طقطقة المزاريب في يوم شتائي ونسمات لهواء عليل يلامس أوراق شجر الكينا المزروعة داخل حوش بيوت الطين .
وجمال قوس قزح وغناء باعة الحليب في الصباحات يجوبون الزواريب والطرقات يبعون الحليب الطازج والشنينة ويوردون الحليب من بياض وسمار لسكان بيوت الطين لغايات المونة من لبنة وجبنة وزبدة وغيرها .
أستعيد هذه الملامح البعيدة من عمر مضى أو عمر سابق كانت بيوت الطين لنا رضا وجمال تملكت وجدان من عاش في بيوت الطين وتنفس روح تلك الأيام .