محمد داودية يكتب: تفكيك «الإخوان» بدل اجتثاثهم
أخبار الأردن- نبراس نيوز- بقلم محمد داودية: التنظيم الدولي لجماعةُ الإخوانِ المسلمين يكابد في العالمِ العربي، مكابدة طويلَة الأجل، استمرَّت منذُ تأسيسه في مصر، في آذار سنة 1928، على يدي حسن البنا، بسبب استحالة تحقيقِ أهدافِه، المتمثلة في إقامة دولةٍ إسلاميةٍ.
لقد وصلت الجماعةُ الى الحكمِ في غزّةَ، على منصّاتِ فسادِ قياداتٍ في حركة فتح، فنجمَ عن ذلك، شقُّ الشعبِ الفلسطيني، وتعددُ مرجعياته، وشكلت «دولةُ/إمارة» غزّة نموذجَ دولةٍ هشّة، لا تُغري بالتقليد او التأييد.
ووصلت الجماعةُ الى السلطة في مصر، على صهوة ثورةِ الربيع العربي ضد الفساد والاستبداد، وكان اداؤهم اقصائيا مُغالِباً، ففشلت التجربةُ التي انقضت عليهم الفلولُ والعسكرُ والعلمانيون والاقباطُ واليسارُ والسلفيون والمثقفون التقدميون والدولةُ العميقة.
جماعةُ الإخوان المسلمين في الاردن، ضربتها موجةُ الربيع العربي الأولى، مثلما ضربت الأنظمةَ السياسية العربية، وكشفت ما تعاني من جمودٍ وعجزٍ عن التجديد ومن فشلٍ متواصلٍ في اصلاحِ ميكانزماتها، لازَمَها منذ عقود.
والجماعة التي تأسست في الأردن سنة 1945 بقيادةِ عبد اللطيف أبو قورة، اصبحت جسما كبيرا يزيد عدد الأعضاء المنضوين فيها على 15000 عضو، تعاني من الترهل والفساد والمناورات والمؤامرات والجمود، ومن التشابك بين الدعوي والسياسي -بين الجماعة والحزب- وطبيعي ان يعاني هذا التنظيم من الامراض التي تَعْلَق بجسمٍ تنظيمي يزيد عمره على 70 سنة فلا يستطيع ان يدْرَأَ عن نفسِه الضرباتِ والطعناتِ.
لقد استنزفت الجماعةَ، المراوحةُ العقيمةُ بين الماضي والحاضر، بين البرنامج الوطني- الاجندة الأردنية، وبرنامج الاجندة الدولية للاخوان، وكانت الأصواتُ الإصلاحيةُ في الجماعة تُفْصَلُ او تنشق (عبد الله العكايلة، بسام العموش،…) الى ان ارتطمت الجماعةُ بحركة احتجاجٍ داخلية منذ نحو خمس سنوات وتمردٍ على ما سماه الاخرون «قيادة التأزيم».
اسفرت التحركاتُ الاحتجاجيةُ في الجماعة، عن «المبادرة الأردنية للبناء- زمزم» التي تم اشهارها في تشرين الأول سنة 2013 بزعامة ارحيل الغرايبة ونبيل الكوفحي ومحمود الدقور واحمد القرالة، وتبعتها الحركةُ «المرخصة» التي تزعمها المراقبُ السابقُ عبد المجيد الذنيبات ومعه شرف القضاة وخليل عسكر وجميل الدهيسات، وبرزت في الاثناء «مبادرةُ الشراكة والإنقاذ» التوفيقيةُ التي أُعلنت في تشرين الثاني 2015 ويتزعمها «الآباءُ الحكماءُ» اسحق الفرحان وعبد اللطيف عربيات وسالم الفلاحات وحمزة منصور وعبد الحميد القضاة.
نحن نتحدث عن قرابة 1000 عضوٍ من الطبقة الاولى والثانية غادروا جماعةَ الاخوان المسلمين وحزبَها، سوف يدفعون قيادتَها الى إعادة النظر في خطابها وأهدافها ووسائلها، وبالقطع، الى إعادة النظر في علاقاتها مع مركز القرار، ومع القوى السياسية، والى إعادة النظر في واقعية شعاراتها، التي رفعت وتائرَها، رياحُ الربيع العربي، فاصبحت «من المشاركة الى الشراكة» ومن «التنسيق الى المغالبة» ومن «الإدناء الى الإقصاء».
انَّ حلَّ الفكفكةِ والتقسيم والإنهاك، بَدَلَ حل «الحل»، الذي اختاره مركزُ القرار الأردني، وتجريد الحركة من قنواتها المالية، هو اسلوبٌ مخفف مختلفٌ عن الحلول التي لجأت اليها الدولُ العربية (مصر، السعودية، الامارات) ويُعَبِّرُ نجاحُ هذا «الاجتهاد» عن الاقتدار والسيطرة ودرجة «النَّفاذ» والتغلغل في جسم جماعة الإخوان المسلمين في الأردن.
لقد عمدت المعالجةُ العربيةُ، لتحدي جماعة الإخوان المسلمين، الى القسوة، فمارست الاجتثاثَ والمنعَ والتحريمَ والاضطهادَ والاعتقالَ واحكام الإعدام والاغتيالَ، الأمر الذي يشكل خطراً محققاً، رغم ان الحركة قد تتطامن وتنحني للعواصف العاتية، ذات الطابع الشمولي.
لقد امسك مركزُ القرار الأردني، في اللحظة التاريخية المناسبة، بزمامِ المبادرة وطبَّقَ القاعدةَ الأردنيةَ الشهيرة: «اللي بتعرف مدّاه طخه» وأيضا «لا يموت الذيب ولا تفنى الغنم»، فاقتطعَ -بأدواتِ الجماعةِ وبرجالاتِها- من جسمِ الجماعةِ ما انهك هذا الجسم وضعضعَه دون أنْ يجتثّه.
لقد اتيحت لجماعة الاخوان المسلمين في الأردن، في خريف عام 2012 فرصةَ صفقةٍ تاريخيةٍ مع الحُكم، الذي كان بلا حلفاء في شارع الربيع العربي، صفقةً تحقق للجماعة مكاسبَ هائلةً، عرضها النظامُ السياسيُ، وكان جاهزا لإِنفاذها.
وكان مطلب الغاءُ الصوت الواحد، في تلك الظروف، هو هزيمةً للنظام، تنطوي على دلالات خطيرة، وعلى عكس الوهم، الذي وقعت فيه جماعةُ الاخوان المسلمين والحراكُ، كان النظامُ السياسي الأردني، متماسكا قويا، ولم يكن واهناً، كان يتحلى بالحكمة، فأدار تحدي الربيع العربي و»اشتغلَ» عليه بحنكةٍ كبيرة. وكانت الاستجابةُ لـ»طلبات» جماعة الإخوان المسلمين، المتمثلة بالشراكة في الحكم، وعدم قبول «الترضيات»، استجابةً كارثيةً لو تمت، وكانت هي الخطر بعينه.
تعقد الصفقة مع الخصم حين يكون ضعيفا.