مقالات

حنا سلامة يكتب: إضاءَةٌ على كِتاب: ‘الحركات الإسلامية المتطرفة في الوطن العربي’

poأخبار الأردن- نبراس نيوز- إضاءَةٌ على كِتاب:
“الحركات الإسلامية المتطرفة في الوطن العربي”  … “الجذور الفكرية والتحول إلى العنف والإرهاب” … تأليف الأستاذ الدكتور علي محافظة

بقلم حنا ميخائيل سلامة نُعمان.. 

بين أيدينا الآن كتابٌ برزَ للنور حديثاً، وقد صدروالقارىء العربي يترقَّبُ على ظمأٍ لِمثلهبعد أن إختلطت الأمور عليه لِما مرَّ على المنطقة خلال الأعوام القليلة الماضية، ولا يزال، من ظروفٍ قاسيةٍ ومتغيرات بالغة الخطورة. حيث تدافعت الأحداث وما واكبها مِن أزْمَاتٍ وتحولاتٍ مِفصلية وما حَمَلت من مفاجآتٍ ومستجداتٍ ألقت بظلالها على أغلب الدول العربية. والكتابُ دراسة وثائقية بَحثية تحليلية متكاملة مَائِزة، جاءَت من غَزيرِ عِلمِ وعَميقِ مُتابعةِ ودِقَّةِ رَصْدِ المُفكِّر والمؤرِّخ الأستاذ الدكتور علي محافظة الذي سدَّد قلمه فأصاب الهدف مُقدِّماً وحَسْب مَنهجٍ علمي دقيق هذا المُنْجَز الوثائقي القيِّم والمُعَنْوَنِ ” الحركات الإسلامية المتطرفة في الوطن العربي، الجذور الفكرية والتحول إلى العنف والإرهاب”.

يقولُ في مَعْرِضِ تقديمه للكتاب:” أثار اهتمامي، كأستاذٍ يُدرِّسُ مَسَاق تاريخ الفكر الإسلامي الحديث لطلبة الدراسات العُليا في قسم التاريخ بكلية الآداب في الجامعة الأردنية بعَمَّان تيارات ما سُميَّ بالصَّحوة الإسلامية منذ ظهورها في السبعينات من القرن الفائت. حيث تتبعتُ مسيرتها من خلال مؤلفات دُعاتها وقادتها السياسيين ونَدَوَاتِهم وتصريحاتهم وبياناتهم. ولم أتوانَ عن قراءة الكُتُب والأبحاث المنشورة في المجلات العلمية عن ظاهرة الصَّحوة الإسلامية باللغات العربية والانجليزية والفرنسية، ومناقشة ما كان يَستجد مِن معلوماتٍ مع طلبتي الذين لم يقِلُ إهتمامهم بالظاهرة نفسها عن إهتمامي بها”. ويُضيف قائلاً ” أنَّ أحداث الربيع العربي من سنة 2011 الى 2013 وما رافقها من صعودٍ مفاجىءٍ للحركات الإسلامية المتطرفة قد زادت من إهتمامي بمتابعة هذه الحركات وتَحرِّي جذورها الفكرية ومنطلقاتها العَقِيديَّة، وَجَمْع ما نَشَرَتْهُ من مؤلفاتٍ وخطبٍ وبياناتٍ وفتاوى وبياناتٍ في مواقع على شبكة الإنترنت، والإطلاع على ما نَشَرَته الصُّحف مِن أنباء عن نشاط هذه الجماعات في كل قطر عربي خلال السنوات السِّتِ الأخيرة، وما رصده الباحثون عن هذه النشاطات من بداية قَرْنِنَا هذا”.

إزاء هذا، يتبين لنا مقدار الجُهد الذي بذله المؤلِّف وَعَمَله الدؤوب ورَصْده بعينٍ ثاقبةٍ وَبِرَوِيَّةٍ لِما كان يدور في المنطقة من حوادث وأحداث ومظاهر تطرُّف وعصبيات وعُنف وغير ذلك، وقيامه باستقصاء الأسباب والمسَبِّبات والظروف السياسية والحالة المجتمعية والثقافية والمستوى المَعيشيِّ للأفراد ومدى تحقق العدالة والحرية والمساواة وجميع العوامل التي أنضجت الفكر الإقصائي، أو قُل المُتَطرِّف  والأُصُوليِّ بجميع مُسَمياته ودوافعه.. بما في ذلك العوامل التي أسهمت في تشكُّلِهِ، ويَسَّرَت إنتشارَه وتمدُّدَه، وشَدّ الشباب وعلى الأخص غير المُحصّن بالعلم والمعرفة والفَهْمِ الصحيح لجوهر الدين للإنضواء تحت لوائه، ومِن ثمَّ المُضيِّ بتنفيذ ما أُعِدَّ مِن مُخططاتٍ أساءَت على نحوٍ بالغٍ للإنسان ولمُنجزات الدول ومقدَّراتها، فجاءَ هذا العَمَل الذي ضمَّ بين دفتيه ما يربو على خمسمائة وأربعين صفحة متكاملاً مِن جوانبه البَحثية جميعها وصولاً إلى إستشرافٍ للمستقبل مع ما يلزم من حُلولٍ، فيكون مَرجِعاً يُركَن إليه ويُعتَمَد عليه لأصحاب الشأن والباحِثين والمُهتمين ليس في الأردن فحسب، بل في الأقطار العربية التي أفردَ لها المؤلِّف فصولاً عِدةً في الكتاب.

وقبل إلقاء إضاءَةٍ على أبواب الكتاب يجدرُ تسليط الضَّوء على قول مُؤَلِّفِهِ: “إن التطرف ظاهرة عامة بين مختلف الشعوب والأمم وبين جميع أتباع الديانات في العالم في مختلف الأمكنة والازمنة، فالتطرف ليس ظاهرة خاصة بالمسلمين دون سواهم من أتباع الديانات الأخرى”. ويُعزى التطرفُ لدى الأفراد كما ورد في طيَّات الكتاب “لشعورهم بالظلم وعدم القدرة على تحقيق مكانة مقبولة في المجتمع مما يولد إحساساً بفقدان الهُوِيَّة وعدم الإنتماء واليأس وعدم الفاعلية ما يؤهلهم الإستعداد للتطرف واللجوء إلى العنف”. كما أن التطرف: ” هو حالة نظرٍ غير سَويَّة إلى الأمور والأشياء، تؤثر في مشاعر الإنسان وسلوكه، وهي حالة نفسية لا عقلانية. ويتصل التطرف بالأفكار والمشاعر ويؤدي إلى الإفراط في الأفعال، والتعميم الجائر في الحُكم على الأمور والأشياء، والغُلوِّ في الأفكار، والقَسْوَة والعنف اللفظي والمَسلكي، والإسراف في الخصومة والعداوة، والمبالغة في الإختلاف وعرض المواقف، وتضخيم المسائل. وللتطرف نتائجه السلبية الخطيرة على الفرد والمجتمع المحلي والعالمي ولا سيما في عصرنا هذا الذي غدا العالم كله فيه قرية صغيرة “.

أمَّا الموضوعات التي غطَّت عنوان الكتاب والغَرَضَ منه فتوزَّعَت على ثلاثة أبواب. تناول المؤلِّف في الباب الأول الذي جاء في ثمانية فصول” الجذور الفكرية للحركات السَّلفية في الوطن العربي” أما الباب الثاني المُعَنْوَن “تحوُّل السَّلفية الجهادية الى العنف والارهاب” فقد جاء في خمسة فصول غطَّت بتوسُّعٍ: مِصر، السودان، الصومال، العراق، بلاد الشام، شبه جزيرة العرب المغرب العربي. أما الباب الثالث مِن الكتاب فقد ورد تحت عِنوان: “الحركات الإسلامية المتطرفة..الى أين؟” وقد جاء في فَصْلين إثنين أُولاهُما: “القِوَى الغربية والحركات الإسلامية المتطرفة” وثانِيهما أجاب فيه على التساؤل: تلك الحركات المتطرفة.. إلى أين؟

والكتابُ زاخرٌ بالمعلومات التاريخية والسياسية وأصْعِدَة أخرى، بالإضافة إلى سِيَرِ حَياةِ قادةِ فِكرٍ ورأيٍ وبيئتهم ومستواهم الثقافي والآراء التي ينادون بها، بما في ذلك مَن تُنْسَبُ إليهم قيادة حركات أصوليةٍ  وتنظيمات وتيَّارات وفِرَق متعددة الإتجاهات والأهداف والدوافع والجذور، حيث كثيراً ما تتردد هذه الأسماء في وسائل الإعلام لكن دون دراية كثرةٍ ساحقةٍ أيّ شيءٍ عنها. هذا كلّه يستحق المؤلِّف عليه الثناءَ، إذ يُلاحِظ القارىء بجلاءٍ الجُهد المبذول بهذا الشأن. ولا غرابة في الأمر لِمَن يعرف خِبرة وَسَعَة إطلاعِ  ومُنجزات المُفكِّر الأستاذ الدكتور علي محافظة الذي يحمل درجة دكتوراة في تخصُّص التاريخ المُعاصر من جامعة السوربون في باريس، وكان قضى شطراً من عُمُره في العمل الدبلوماسي في عدة دولٍ.

إن الإضاءة على الكتاب لا تُغني عن قراءَته لكمية المعلومات المُكتنِزة فيه، وحَريٌ في الختام الإشارة إلى أن المؤلِّف يؤكِّد في هذه الدراسة على ضرورة تَعْويِدِ الشباب على التفكير العلمي الناقد وتدريبهم عليه،  وتوعيتهم وتحصينهم بالعلم والمعرفة. كما يُؤكِّد أن “حركات التطرف الى زوال في نهاية المطاف كما زالت من قبلها جميع الحركات السياسة والدينية المتطرفة التي لجأت الى العنف والارهاب في ضرب خصومها وأعدائها، حيث يبدأ زوالها وتلاشيها مع قطع المعونات المالية والعسكرية عنها من الدول التي تمدها بالمال والسلاح”. كما يدعو” مفكِّريِّ الأمة ومثقفيها ومؤسساتها الثقافية والعلمية والدينية أن تدرك الحقيقة التي تفرضها نفسها علينا، بعد هذا الدمار الفكري والمادي الذي لحق بأمتنا خلال السنوات السِّتِ الماضية، وهي أن لا أمل للعرب بالنهوض أو التقدم أو التحرر من الهيمنة الاجنبية ووقف التدخل الاجنبي في شؤونهم الداخلية إلاَّ بوحدتهم وتضامنهم”. هذا وأوردَ المؤلِّف توصياتٍ مع جُملةِ حُلولٍ ورؤىً جاءَت بمنتهى الشفافية والصراحة لمستقبلٍ واضح المعالم وأكثر أماناً واستقراراً مَا يجعل هذه الدراسة تخدم حاضر الأمَّة ومستقبلها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى