مقالات

الأب بدر يكتب: الأردن حامي المقدسات والقانون الدولي

sssssssssssssاخبار الاردن-نبراس نيوز- بقلم الاب رفعت بدر :للمقدّسات المسيحية في القدس بُعدان؛ الأول إداري، وهو محكوم بمبدأ Status quo (الوضع الراهن) الساري المفعول منذ العهد العثماني، والذي تدخل بموجبه المقدسات المسيحية إشرافًا، وإدارة في نطاق اختصاص الكنائس المسيحية وصلاحياتها، باستثناء البطريركية الأرثوذكسية.

وذلك تبعًا لقانون رقم 27/1958م الذي نشر في الجريدة الرسمية عدد 1385، ص 556، 1 حزيران 1958،، وتحديداً فيما يتعلق بانتخابات البطريرك والقائم مقام البطريرك وتثبيتهما وتنحيتهما وشروط انتخابهما ومجلس البطريركية الأرثوذكسية، وميزانية البطريركية.

أما البعد الآخر، فهو بعد وطني، سواء تلك المقدسات التي تحتضنها القدس، أو الضفة الغربية المحتلة؛ فهي بالنسبة للأردن وقيادته الهاشمية قضية وطنية بامتياز. فالأردن بقيادته الهاشمية ظل يعمل بكل الوسائل المتاحة على استعادتهما للسيادة الأردنية وفقاً لقرارات القمم العربية ذات الصلة بالقضية الفلسطينية وبالقدس ومقدساتها الإسلامية والمسيحية على حد سواء.

إن المسؤولية عن الأوقاف والمقدّسات في القدس مسؤولية مقدسة حملها الأردن منذ عام 1924 شعورًا بالمسؤولية تجاه المقدسات الإسلامية في فلسطين. وكان الحاج أمين الحسيني، رئيس المجلس الإسلامي الأعلى، قد طلب من الأمير عبدالله بن الحسين في 30/ 8/ 1924 أن تكون عمارة الحرم القدسي بالكامل تحت رعاية الأمير عبدالله، وتواصلت الرعاية للمقدسات إلى اليوم.

وفي رسالة من الملك عبدالله الأول إلى غلوب باشا، يتبين حرص الأردن، على حماية المقدسات المسيحية والإسلامية، وفيما يلي نصها:

«عزيزي غلوب باشا، إن موقع القدس من العرب والمسلمين ونصارى «نصارى» العرب مهم، وإن وقوع أي كارثة من اليهود على أهلها كأن يقتلون أو يجلون، أمر عظيم التبعة علينا، ولا يزال الموقف ليس بالميؤوس منه، وإنني آمر بلزوم الاحتفاظ بما هو تحت اليد الآن: البلدة القديمة وطريق أريحا، أما بواسطة القوات القوة التي في نواحي رام الله، أو بإرسال قوة من احتياط القوات «القوات» هناك. إنني أرجو أن تنفذوا هذه الرغبة بكل سرعة عزيزي» (عبدالله بن الحسين (الملك)، رسالة إلى غلوب باشا، عمان، 7 رجب 1367 هجري، الموافق 14/5/1948).

وعندما فُك الارتباط الإداري والقانوني بالضفة الغربية لصالح منظمة التحرير الفلسطينية عام 1988 لم يشمل الأوقاف والمقدسات؛ حرصًا من الأردن على الحفاظ عليها وخدمتها وصيانتها، وبطلب أيضًا من الجانب الفلسطيني.

وفي بنود معاهدة السلام بين المملكة الأردنية الهاشمية، ودولة إسرائيل بتاريخ 26 /10 /1994 أورد الأردن مسؤوليته تجاه الأوقاف والمقدسات في القدس حيث: «التزم الأردن بأنّه عند اتفاق الجانب الفلسطيني وإسرائيل على الوضع الدائم للقدس، وعند انتقال السيادة للفلسطينيين على المدينة المقدّسة، فستنتقل مسؤولية الأوقاف والمقدسات فيها من العهدة الأردنية الهاشمية إلى العهدة الفلسطينية».

ومع أن الحديث كان يشير في أغلب الأحيان إلى المسؤولية في الأوقاف الإسلامية، إلا أن الولاية الأردنية كانت أيضًا تنسحب برغبة على الأوقاف المسيحية، بدليل استمرار سريان مفعول القانون الأردني رقم 27/ لسنة 1958. وكان الملك الحسين بن طلال «يحزن» لمحاولة إسرائيل إفراغ الأرض المقدّسة من المؤمنين، مسيحيين ومسلمين، أو لاعتدائها على المصلين في الجوامع والكنائس وكان يقول: «لقد صدمنا للتصرّفات الإسرائيلية، وأود أن أؤكد أنّ حرصنا على المقدّسات المسيحية هو قضيّة مبدأ، وأننا نضع قداسة أماكننا الدينيّة فوق كلِّ الاعتبارات السياسية»، لقاء الحسين بن طلال مع بطريرك الروم الأرثوذكس، 2/5/1990.

وفي 13 /8/ 1994 كتب الملك الحسين بن طلال الذي شهد اغتيال جدّه الملك عبدالله في ساحة الأقصى إلى البطريرك ثيوذوريوس الأوّل، ما يشدّد على أهميّة الدور الهاشمي في المقدّسات: «نود هنا أن نؤكد أن الدور الأردني الهاشمي في رعاية الأماكن المقدّسة الإسلامية والمسيحية في القدس سيظل بإذن الله مستمرًا». والحسين هو ذاته الذي في أثناء ترحيبه بالبابا بولس السادس 4/1/1964 وصف نفسه «حاميًا للأماكن المقدّسة».

اتفاقية الوصاية عام 2013 وقع الملك عبد الله الثاني، والرئيس الفسطيني محمود عباس في عمّان في 31 /3 /2013، اتفاقية تاريخية، أعاد فيه الرئيس الفلسطيني تأكيده أنّ الملك هو صاحب الوصاية على الأماكن المقدسة في القدس الشريف، وله الحقّ في بذل جميع الجهود القانونية للحفاظ عليها، خصوصًا المسجد الأقصى، المعرّف في الاتفاقية على أنه كامل الحرم القدسي الشريف.

وتشير الاتفاقية في مقدمتها إلى أنّ الملك عبدالله الثاني هو «صاحب الولاية وخادم الأماكن المقدسة في القدس»، فيما الرئيس عباس هو رئيس دولة فلسطين، ورئيس منظمة التحرير الفلسطينية، ورئيس السلطة الوطنية الفلسطينية. والجديد فيها كذلك الحديث عن المقدسات المسيحية، بما في ذلك بطريركية الروم الأرثوذكس المقدسية التي تخضع للقانون الأردني رقم 27 لسنة 1958. وتشير كذلك إلى أنّ قرار فكّ الارتباط عام 1988 قد استثنى الأماكن المقدسة في القدس من فكّ الارتباط.

الوصاية الأردنية على المقدسات الإسلامية وفقاً للقانون الدولي عرف القانون الدولي مفهوم الوصاية القانونية بصفته نظام حماية يتيح لدولة إدارة شؤون دولة أخرى تخضع لها. وقد تطرّق القانون الدولي الإنساني بشكل منفصل لما يسمى «حماية الأقليات الدينية والثقافية»، سواء في أثناء الحرب أو في مرحلة الاحتلال من خلال اتفاقيات جنيف، ولاهاي المتعددة.

وأشارت الاتفاقية بين الملك والرئيس الفلسطيني إلى أنّ الملك هو صاحب الولاية القانونية في اتخاذ الإجراءات القانونية على كل الأصعدة، وأمام المحافل الدولية، وفي حالة الاعتداء على أي من المقدسات الإسلامية في القدس، ومنها الوسائل الدبلوماسية، والقانونية، ولا سيّما أن اتفاقية أو معاهدة السلام الأردنية-الإسرائيلية عام 1994 تعترف بالمادة (9) صراحةً بالوصاية الأردنية على المقدسات الدينية. ولم تخصّص المعاهدة تفصيلاً عن المقدسات المسيحية، إذ قالت باحترام إسرائيل للدور الحالي الخاص بالمملكة الأردنية الهاشمية في الأماكن الإسلامية المقدسة في القدس، وعند انعقاد مفاوضات الوضع النهائي ستعطي إسرائيل أولوية كبرى للدور الأردني التاريخي في هذه الأماكن.

اما الكرسي الرسولي، الفاتيكان، فقد تم التأكيد على موقفهم الثابت من القدس، اثر لقاء الملك عبدالله الثاني في الفاتيكان مع البابا فرنسيس في الثامن عشر من كانون اول 2017، حيث قال البيان الرسمي: بأن قداسة البابا، الذي كان أعرب عن قلقه إزاء القرار الأمريكي الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، قد أكد بأن القدس هي مدينة فريدة ومقدسة لأتباع الديانات الثلاث.

ودعا قداسة البابا، خلال اللقاء، إلى احترام الوضع القائم في القدس، تماشيا مع قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة، وبما يسهم في تجنب المزيد من العنف والتوتر. كما اشار قداسة البابا فرنسيس إلى دور جلالة الملك عبدالله الثاني المحوري في حماية المقدسات في القدس، مشيدا بالتزام الأردن بتحقيق السلام والاستقرار في المنطقة والعالم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى